رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | لبنان يودع زياد الرحباني: هذا ابننا

شارك

انطلقت جنازة زياد الرحباني، في بكفيا، محيط بلدته المحيدثة، وكان الوداع يحمل طابعًا وطنيًا وشعبيًا يعبّر عن تقدير الشعب والفنانين لمسيرته. كانت التحية الأخيرة لزياد بسيطة وعفوية، يعبر عنها الجمهور بطرق فنية وشعبية، لتتلخص في أن المجتمع اللبناني اعتبره ابنًا لهم، يحمل في روحه معاني الحرية والإبداع.

الحضور والمشاركة الشعبية والفنية

حضر الجميع بجانب النعش، من مسؤولين رسميين وفنانين ومثقفين وناس عاديين، ليس فقط لمشاهدة الحملة، بل للمشاركة في وداعه. كانت لحظة تجمع لكل الأطياف، فلطالما كان زياد رمزًا للفن الحر، وهو رغبة اللبنانيين في أن يقولوا له وداعًا ونشكرك على إبداعه الذي يعكس وطنًا يبحث عن ذاته.

موقف فيروز وتعبيرها عن الحزن

وقفت فيروز، شامخة كأغنياتها، وأحاطت بالنحيب، كأنها ترتل نشيدًا قديمًا. لم تتكلم، لكن حضورها كان يحمل قوة التعبير عن الحزن، حيث لعب الصمت دورًا كبيرًا، وظهرت عيناها تائهتين، تنقلان حبًا لا يُقال ووجعًا عميقًا. كانت ثابتة وواقفة، وكأنها تودع وترنّم بصمت، مثقلة بالحزن والوقار، وسط أنظار الجميع الذين لم يرفعوا في عيونهم إلا الإحترام والتقدير.

الكون أمام النعش ودموع ريما الرحباني

لم يكن اهتمام الناس بالنعش بحد ذاته، بل كانت الأنظار تتجه إلى المرأة الموقف بجواره، وهي فيروز، التي أبدت صمتها الوحيد، بينما كانت ابنتها ريما الرحباني تصغي، تتفقد خطاها، وتمس يد والدتها، وتظهر البيتات عاطفية ومتماسكة في آن، ممسكة بحضورها وتعبيرها بصمت. كانت ريما رمزًا للصمود، ترافق الحزن بقوة وشجاعة، وتحتفظ برمزيتها كحامية للذاكرة.

الاحتفال الرسمي والوسام

حضر رسميون من لبنان، يتقدمهم ممثلون عن الرؤساء، وقدموا لزياد وسام الاستحقاق اللبناني، وهو تقدير رمزي لمسيرته التي تجاوزت حدود الفن، لتعكس صوت الوطن وترجمته الوطنية، حيث وضع الوسام على نعشه، معبرًا عن اعتراف الدولة بموهبته وتأثيره العظيمين.

تأثر الفنانين بكلمات رثائه

رحابا على الوداع، ظهرت مشاعر الحزن بوضوح، فبكت الفنانة ماجدة الرومي أمام فيروز، وجعلت الجميع يتوق إلى الوفاء والتقدير، قائلة: إن فيروز هي الأم الحزينة، ويجب أن نكتفي بالصمت أمامها، لأنها كالغيمة الحزينة تغطيها دموع المحبة. خُرّعت الرومي بانحناءة عند قدميها، دلالة على احترامها العميق وحبها الكبير.

مكانة زياد الرحباني وتأثيره

أكد غسان صليبا، الذي عمل مع عائلة الرحباني، أن زياد كان ضميرًا حيًا، ونفَسًا مختلفًا، وأن خسارته تمثل فقدان زاوية أساسية من ذاكرة لبنان، حيث كان فنه مرآة ساخرة وموقفًا جريئًا من الواقع، وهو صوت الثورة في الموسيقى والكلمة. اعتبر أن موته هو خسارة لوطن كامل، رغم أن صدى صوته مازال حيًا في موسيقاه ومواقفه.

البكاء والتعبير الخاص للفنانين

شهدت جنازة زياد بكاءً عميقًا من العديد من الفنانين، فهناك من تذكر علاقته به، ومن عبر عن أسفه الشديد لفقدانه، ككارمن لبس التي أظهرت حزنًا خاصًا، وكانت تذكر أغنيته “بلا ولا شي”، وتقول: “راح يبقى حبي ليك دائمًا، بلا ولا شي”.

حالة فنية ووطنية فريدة

وفي زاوية من الكنيسة، كانت نجوى كرم تهمس: “التقى اللبنانيون من كل الأطياف على زياد، وكان دايمًا يقول: الوطن مش مقسوم، نحنا اللي انقسمنا”. بينما علقت كارول سماحة بصوت متأثر أن زياد كان حالة فنية وفكرية نادرة، وخسارته ليست فنية فقط، بل خسارة إنسانية وفكرية أيضًا. نقيب الفنانين لبنان، جورج شلهوب، وصف وفاة زياد بأنها ضربة موجعة ووصفه بنادرة لن تتكرر، متمنيًا أن يصبر الله والدته على فراقه، فيما قال راغب علامة: “زياد هو كقلعة بعلبك، لا يمكن أن يُعوض”.

الصيحة الأخيرة وتوديع الوطن

لم تكن جنازة زياد مجرد حدث عابر، بل كانت لحظة وطنية، حيث غابت الخطابات الرسمية، وارتفعت أصوات الأغاني القديمة، التي عبّرت عن كل شيء، وأرادها زياد أن تكون موسيقى وطنًا، وأن تفهم الصمت حين تعجز اللغة. وسط الزحام، افتُتحت صيحة عفوية من امرأة: “هيدا ابننا”، كانت تنطق من القلب، تعبر عن الشعور الجماعي والانتماء، وتختصر ألم فقدان فنان لم يكن فقط فنانًا، بل مرآة حقيقية لوطنه، حتى وهو يوارى الثرى في أرضه التي أحبها وعاتبها كثيرًا.

وفي حضرة الذكرى، بدا زياد حيًا بين من أحبوه، تميّزت جنازته بالحب والتقدير، وتضحيات الشعب اللبناني ليظلّ صوتًا فريدًا حيًا، يرافقه دائمًا دفء الأمل في مستقبل أفضل.

مقالات ذات صلة