تشهد المنطقة تحركات ميدانية متصاعدة تزامنًا مع تصاعد الشكوك بين إيران والجهات الدولية وخاصة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مدعومة بتحركات من واشنطن، مما يدخل العلاقات في منعطف حاسم وخطير منذ سنوات طويلة.
بعد هجمات الولايات المتحدة وإسرائيل على منشآت نووية إيرانية في يونيو، يستعد وفد من الوكالة لزيارة طهران خلال أسبوعين، وسط أجواء مشحونة تتجاوز الخلافات التقنية حول التخصيب والمراقبة. تأتي الزيارة عقب إعلان المدير العام للوكالة، رافاييل غروسي، عن استئناف محادثات فنية مع إيران، غير أن طهران تعتبر ذلك إجراء مؤقتًا في سياق أزمة أعمق، وتبدي برلمانها قانونًا يقيّد صلاحيات الوكالة ويشترط موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي على عمليات التفتيش المستقبلية، في إشارة إلى رغبة طهران في إعادة صياغة علاقتها مع الوكالة، معتبرة إياها طرفًا سياسيًا أكثر منه جهة رقابة فنية مستقلة.
تصعيد أميركي وتهديدات إيرانية
جو بايدن يزداد ضيقًا إزاء إيران، حيث اتهمها بإرسال إشارات سلبية ومقلقة جدًا، مهددًا بالرد بقوة وفور إذا اتخذت طهران خطوة نووية جديدة. في المقابل، تتعاظم الأزمة الثقة بين الطرفين، خاصة بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي عام 2018، وما تبعه من تصعيد التصورات والنيات. يعتقد خبراء أن ترامب يفرض شروطًا أحادية الجانب على طهران، وهو ما ترفضه الأخيرة بشكل قاطع، معتبرة أن العلاقات يجب أن تبنى على احترام مصالح السيادة الوطنية دون فرض ضمانات خارج إطار الاتفاق والاحترام المتبادل.
معضلة اليورانيوم العالي التخصيب
أعربت الوكالة الدولية مؤخرًا عن قلقها الشديد بشأن نحو 400 كيلوجرام من اليورانيوم عالي التخصيب، بعضه بنسبة تصل إلى 60%، وقد يُشكل تهديدًا في حال نية إيران تطوير سلاح نووي. تكرر إيران نفيها السعي وراء حيازة قنابل نووية، مؤكدة أن برنامجها سلمي ويخضع لمراقبة ومتابعة رغم القيود. في الوقت ذاته، تهدد بالانسحاب من معاهدة عدم الانتشار النووي إذا استُخدمت أدوات كآلية “الزناد” لفرض عقوبات جديدة، وهو احتمال وارد إذا استمرت الأطراف الأوروبية في التصعيد الشهر المقبل.
الطريق المسدود والمفاوضات
يواجه المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة مأزقًا عميقًا، مع توقف المحادثات غير المباشرة منذ اندلاع الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله، ولا توجد مؤشرات على استئنافها، رغم تأكيد إيران على استعدادها للعودة إذا كانت هناك مصلحة وطنية. يعتقد خبراء أن الثقة مفقودة، وأن استئناف التفاوض مرهون بتغيير الوسائل والشروط ليقوم على أساس الربح المتبادل واحترام السيادة. ويشدد المسؤولون على أن قوات التخصيب ورفع العقوبات يمثلان عناصر رئيسية في أي اتفاق جديد، مع شرط رفع الحظر عن البرنامج النووي الإيراني.
مخاطر التصعيد والتوقعات المستقبلية
موقف أوروبا يظل محدودًا، وهي قد تكون الوسيط الوحيد لإعادة التواصل بين طهران وواشنطن، لكن تفعيل أدوات مثل “الزناد” لفرض العقوبات قد يدفع إيران للانسحاب من معاهدة عدم الانتشار، مما يفتح باب التوترات الإقليمية ويزيد من احتمالات سباق تسلح، خاصة في ظل الاعتقاد الإيراني أن استمرار التهميش والضغط يعزز من حقتهم في برنامج وطني لا يمكن التنازل عنه. وبذلك، فإن التصعيد يظل فرضًا قائمًا، مع احتمالات أن يؤدي إلى أزمة أوسع تجاوز حدود البرنامج النووي.
أزمة الثقة ومنعطفاتها المحتملة
مع تدهور المشهد الإقليمي وتصاعد التهديدات، تتجه جهود المنطقة نحو منعطف حاسم، حيث يظل الوضع النهائي للمفاوضات رهين معادلة توازن المصالح والضمانات. تزيد الضغوط والتفتيش المقيد من تعقيد العودة إلى طاولة الحوار، فيما قد تتصاعد احتمالات التصعيد في حال استمر الوضع على حاله، مما يهدد بإشعال صراع إقليمي أوسع مع تأثيرات قد تتجاوز البرنامج النووي إلى أمن المنطقة بشكل عام. ويظل المشهد على صفيح من التوتر، مع ترقب لخطوة قد تغير مسار الأمور في أي لحظة دون سيناريو واضح حتى الآن.







