تواجه سوريا مرحلة حرجة تتطلب قرارات حاسمة في ظل الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة، حيث يُحذر المجتمع الدولي والأمريكي من احتمال تصاعد الأزمة إذا لم تُتخذ خطوات جادة نحو شمولية الحكم وفتح المجال للمشاركة السياسية الواسعة.
تشير مصادر خاصة إلى أن الرئاسة السورية، برئاسة أحمد الشرع، تدرس تشكيل حكومة جديدة تمثل جميع الأطياف والمناطق بشكل أوسع، ويبدو أن هذا القرار نابع من ضغوط داخلية متزايدة، لكنه في جوهره يعكس رغبة في التفاهم مع اتفاقات خارجية، خاصة مع الأطراف الغربية.
وتؤكد المصادر أن الحكومة الموسعة المحتملة قد تكون جزءًا من صفقة دولية تهدف إلى استقرار البلاد، مع إعادة صياغة العلاقات مع كيانات محلية مثل قوات سوريا الديمقراطية، التي تعتبر عنصرًا أساسيًا في الترتيبات السياسية والأمنية في الشمال الشرقي من سوريا.
تحذيرات دولية وتوجهات خارجية
يُحذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا من فشل المرحلة الانتقالية، الذي قد يؤدي إلى تفكك كامل، معبرًا عن قلقه من استمرار الجمود السياسي. شدد على أن الولاء للدولة يجب أن يُبنى على تمثيل وحماية الجميع، وليس عبر فرض القوة.
وفي المقابل، يرى المبعوث الأمريكي أن الحل الشامل يعتمد على التعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، ويدعو إلى حوار وطني يضمن وجود دولة واحدة، حكومة واحدة، وجيش موحد، لتعزيز الاستقرار الدائم في البلاد.
الوضع على الأرض والاحتياجات الإنسانية
تظل محافظة السويداء نموذجًا للهشاشة، إذ وصلت إليها قافلة مساعدات رابعة وسط اتهامات للفصائل الدرزية بفرض حصار على المنطقة، بينما تؤكد دمشق نفي ذلك رسميًا. وأكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن مئات الأشخاص يقيمون في مراكز إيواء، مع نقص حاد في المواد الضرورية مثل الغذاء والأدوية.
ويعيد تدهور الوضع الإنساني في السويداء إلى الأضواء مسألة الحوكمة المحلية، التي تتطلب من دمشق إظهار قدرتها على إقناع المكونات، خاصة الأقليات، بأن التغييرات الشكلية سترافقها تغييرات جذرية في المضمون.
الانتخابات الحكومية والتوازنات الطائفية
أوضح الباحث السياسي أن الحكومة السورية الحالية تتسم بالكفاءات، مع محاولة لإرضاء جميع المكونات عبر تمثيل أغلب الطوائف، مع الحفاظ على الوزارات السيادية. وأضاف أن هناك تصورًا لزيادة التنوع في التشكيلة الحكومية، بشرط عدم المساس بالوظائف الأساسية للدولة.
اللامركزية وخطوط التوافق
تثير مسألة اللامركزية جدلًا كبيرًا، حيث يخشى البعض أن تؤدي إلى انفصالات كما حدث في دول أخرى، لكن هناك قبولًا بشكل ناعم لفكرة منح صلاحيات محلية، بشرط أن تتم ضمن إطار الوطنية، وأن يكون ذلك بعيدًا عن الطائفية أو العرقية، خوفًا من تكرار صراعات الطائفية السياسية.
الحوار السياسي والتوافقات الأخيرة
شهدت اللقاءات بين مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديمقراطية، والرئيس السوري أحمد الشرع، اجتماعات طويلة استغرقت أكثر من ثلاث ساعات، تمحورت حول خصوصية الشعب الكردي واندماجه في مؤسسات الدولة، مما يعكس بداية تحول في لغة التفاوض. وتبرز أهمية الدور السعودي في دعم المسار المقبل عبر توفير الدعم السياسي والاقتصادي.
أشار خبراء إلى أن المجتمع الدولي لم يعد خيارًا بل ضرورة، خاصة مع تداخل الدول الغربية في الملف السوري، حيث أصبحت طرفًا مباشرًا وأساسياً في المعادلة، مع تدخلات فرنسية وسعودية وإماراتية لدعم مسارات الحل والإعادة التوازن الداخلي.
تقييم اتفاق 10 مارس ومستقبل العملية السياسية
اعترف خبراء أن تنفيذ اتفاق 10 مارس لا يزال متعثرًا، وأن التقدم يقتصر على وقف إطلاق النار فقط، مع دعوة لضغط دولي أكبر لإسراع العملية السياسية وإعادة السيطرة إلى الدولة المركزية. وأكدوا أن بناء التوافق الوطني يحتاج إلى وقت طويل، مشبهين التجارب السابقة في ألمانيا وإسبانيا بطول فترتها الزمنية، وأن النجاح لابد أن يمر بمراحل من الحوار والصبر.
وتظل المرحلة الانتقالية السورية مرهونة بمدى القدرة على اللحاق بالتغييرات الجوهرية، مع ضرورة أن تكون الحكومات المقبلة قادرة على تمثيل التنوع الوطني، وأن يتحول الحوار إلى تنفيذ اتفاقات دائمة، وليس مجرد رسائل تطمين.







