تتصاعد حدة التوتر بين طهران وواشنطن بعد التصعيد العسكري الأخير، وتوجه إيران رسائل سياسية واضحة ومشفرة تظهر أن العودة إلى طاولة المفاوضات لن تكون كما كانت، وأن التفاوض مع الولايات المتحدة لن يُستأنف إلا مقابل ثمن سياسي ومادي كبير، مما يعكس تحولاً جوهريًا في قواعد التفاوض بعد الحرب.
تحول في قواعد الاشتباك الدبلوماسي
تكشف تصريحات وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي عن تغير جذري في طريقة التعامل مع واشنطن، حيث أكد أن أي حوار قادم يجب أن يقترن بتعويضات مالية لضمانات أمنية، وأن الولايات المتحدة لن تتمكن من استئناف المفاوضات من النقطة التي توقفت عندها، بل يتطلب الأمر صفحة جديدة تتناسب مع الواقع الاستراتيجي الجديد بعد الحرب، وهو ما يعكس تصعيدًا واضحًا في الموقف الإيراني الذي يبدو أكثر تشددًا، وهو ما تنقله التصريحات والتصعيد الاقتصادي الأخير ضد طهران من قبل واشنطن.
عقوبات وواقع القوة الإيرانية
فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على شبكة الشحن النفطي الإيرانية المرتبطة بمحمد حسين شمخاني، نجل المستشار الأمني المقرب من خامنئي، واستهدفت عشرات الكيانات التي تنقل النفط من إيران وروسيا وتحقق عوائد ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، لكن طهران تصر على أن برنامجها النووي لم يتعرض للتدمير كما كانت تأمل واشنطن وتل أبيب، وهو ما أكدته تصريحات خبراء، حيث أكدوا أن المنشآت لم تتعرض للتدمير بشكل كامل، مما يفتح أبواب التساؤل حول قدرات إيران النووية الحالية.
موقف داخلي ومعارضة التفاوض
تواجه إيران داخليا رفضًا واسعًا لأي تفاوض مع واشنطن بدون شروط مسبقة، إذ يشعر الإيرانيون بالمهانة جراء الهجمات العسكرية الأخيرة، ويصرون على أن أي مفاوضات يجب أن تتضمن ضمانات دولية صارمة بعدم تكرار الاعتداءات، وهو موقف يعكس استياءً شعبيًا وتحديًا داخليًا لإيران، حيث يدعو خبراء إلى عدم التراجع حتى تلبية المطالب الأساسية، خاصة بعد تقصير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتي يصفها الإيرانيون بأنها فقدت نزاهتها، ويعتبرون تصرفاتها بمثابة دلالات على خيانة الثقة والأمانة الدولية.
اتهامات للأوروبيين ودورهم في الملف النووي
انتقدت إيران أوروبا بشدة، واصفة مواقفها بأنها تابعة بشكل كامل للولايات المتحدة وإسرائيل، وطالب الإيرانيون الأوروبيين بتحديد موقف مستقل قبل المشاركة في أي مفاوضات مستقبلية، مشيرين إلى أنهم لا يثقون في دعم الأوروبيين لأنهم أصبحوا جزءًا من الدوائر التي تضعف موقف إيران وتحجم قدراتها في ملفها النووي.
هل تتجه إيران نحو كوريا الشمالية؟
تثير الظروف الحالية تساؤلات بشأن إمكانية أن تتحول إيران إلى نسخة جديدة من كوريا الشمالية، إذ يرى خبراء أن المفاوضات المقبلة يجب أن تتجاوز مستويات التخصيب النووي وتتناول احتمال وجود أسلحة نووية لدى إيران، خاصة مع المخزون الضخم من اليورانيوم المخصب عاليًا والذي يظل غير معلوم المصدر والتقديرات عن كمياته، حيث تملك إيران أكثر من 460 كغم من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وأكثر من 9500 كغم من التخصيب بنسبة 20% أو أقل، وهو ما يعزز الغموض حول طموحاتها النووية ومدى قربها من السلاح النووي.
فشل العمليات العسكرية وتحول المشهد التفاوضي
وصف خبراء الهجوم الأميركي والإسرائيلي على المنشآت النووية بأنه كان خطأ استراتيجي كبير، مؤكّدين أن العملية فشلت في تدمير القدرات النووية لإيران، وأن إيران لم تُهزم، بل على العكس، تفاجأت وتصدت، وموقفها الآن يبدو أكثر صلابة. يجب أن يكون التفاوض القادم على أساس أن يكون الطرفان رابحين، بدلاً من استمرار شروط الأميركيين القاسية، وذلك تزامنًا مع عدم اليقين حول مدى قدرة واشنطن على فرض شروطها الجديدة.
مستقبل المفاوضات وهل ستكون صيفًا تفاوضيًا ساخنًا أم شتاءً نوويًا؟
يطرح المراقبون تساؤلات عن المرحلة المقبلة، فهل نحن مقبلون على موسم تفاوضي حار يفرض شروط إيران أم أن الأمر مجرد لعبة من ضغط الوقت وشراء للوقت دون تفاوض حقيقي؟ تتجه إيران إلى فرض شروطها، ويبدو أن واشنطن، رغم العقوبات، ستضطر للعودة إلى حوار جديد، لكن الكرة الآن في ملعب الرأي العام الإيراني الغاضب، الذي يرى أن المفاوضات لن تكون سوى تنازل عن دماء وتضحيات، فيما تواصل إيران تحدي العقوبات وتطمح إلى فرض معادلة تحقيق مكاسب رغم التصعيد، وهو ما قد يقود إلى مرحلة جديدة تتسم بالاشتباك السياسي الحاد، مع احتمالات أن يكون الحل الوحيد هو اعتماد معادلة «رابح – رابح» لتجنب كارثة نووية محتملة بعد أن فشلت العمليات العسكرية في فرض أمر واقع عبر القوة العسكرية وحدها.







