يميل خامنئي، بعد حرب استمرت 12 يومًا، إلى اتخاذ خطوة نحو الحوار مع واشنطن، لكن المشهد لا يوحي بانفتاح أو مصالحة، بل يعكس موقفًا براغماتيًا باردًا نتيجة لضغوط القوة وتداعيات الأزمة الداخلية، مما دفع البعض لاعتبار هذه الخطوة بمثابة مغامرة غير محسوبة.
أكدت الوكالات أن القيادة الإيرانية أصبحت تتجه نحو التفاوض النووي مع الغرب، نظرًا لتكلفة المواجهة العسكرية، وأشارت مصادر إلى توافق داخلي في طهران على استئناف المفاوضات النووية لأنها ضرورية لضمان استمرارية إيران، حيث ترى أن الحوار مع أمريكا هو السبيل الوحيد لتجنب التصعيد والخطر الوجودي.
يكشف هذا التحول عن أزمة استراتيجية عميقة تواجه إيران، حيث يحاول نظامها انتظار فرص التفاوض كوسيلة للهروب من المواجهة المباشرة، التي أثبتت الحرب ضعف قدراته الدفاعية أمام التفوق الإسرائيلي-الأمريكي، إذ تم تدمير أجزاء مهمة من البرنامج النووي، خاصة في موقعي نطنز وفوردو، وكانت الرسالة واضحة أن أي تصعيد جديد قد يهدد بنية النظام ومؤسساته، لذلك تعتبر المفاوضات فرصة لتجنب حرب وجودية ضرورية لإعادة التموضع.
وتمارس العقوبات الأمريكية ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد الإيراني، ما أدى إلى تضخم وارتفاع معدلات البطالة، وزادت بعض الاحتجاجات بشعارات معادية للداخل، مثل “الموت لفلسطين”، ما يعكس تحول المزاج العام ضد دعم الحلفاء على حساب الداخل، ويعتقد أن الانفتاح على التفاوض قد يوفر متنفسًا اقتصاديًا ويخفف التوترات، مع محاولة النظام لاستعادة السيطرة على الشارع.
يرى قادة طهران أن المفاوضات ليست خيارًا سياسيًا فحسب، بل ضرورة للبقاء. بعد الحرب، تم نقل علماء إلى مواقع سرية، وتمت إعادة تقييم أمن المنشآت، بحيث تتيح التهدئة مع واشنطن فرصة لإعادة بناء القدرات وامتصاص آثار الضربات، مع ضبط الأوضاع الداخلية والتحرك بشكل أوسع لإعادة التوازن.
أما على الصعيد الإقليمي، فقد تأثرت التوازنات، حيث تركز روسيا على حربها وتدعو إلى زيادة النفوذ الأمريكي في جنوب القوقاز، مما يقلص نفوذ إيران، كما تقلل ضربات حزب الله من قدرة طهران على فرض شروطها عبر وكلائها، وتصبح الدبلوماسية أداتة لتعويض ضعف النفوذ الميداني.
داخل النظام، رغم معارضة بعض الشخصيات في الحرس الثوري لفتح باب التفاوض علنًا، إلا أن خامنئي تمكن من فرض قراره مستفيدًا من سلطته العليا، كما أن حركة التهدئة تأتي أيضًا ضمن خطط لضمان انتقال السلطة بشكل مستقر في حال غيابه، حيث يسعى إلى تحصين نفوذه وحماية نظامه.
دلالات قرار العودة للحوار
يعكس هذا القرار محاولة لشراء الوقت والحفاظ على مكاسب البرنامج النووي مع محاولة لتخفيف العقوبات، بحيث يواجه الانقسام بين المتشددين والمعتدلين، إلا أن القرار النهائي لا يزال بيد خامنئي، وتوجد نافذة ضيقة لتحقيق اتفاق، حيث يقف موقف إسرائيل والمعارضون في الولايات المتحدة من العروض التفاوضية عائقًا أمام التوصل إلى حل.
يرى مراقبون أن خامنئي، رغم تمسكه بمبادئه، يغيّر أدواته فقط، إذ أظهرت الحرب أن المواجهة المباشرة قد تؤدي إلى انهيار داخلي أو هزيمة ساحقة، لذا يختار المفاوضات كخيار اضطراري، لكنه سيحاول تحقيق أكبر قدر من المكاسب بأقل التنازلات، وهو خيار محفوف بالمخاطر، خاصة مع احتمال أن تعتبر واشنطن وتل أبيب أن الوقت للصفقات انتهى.







