رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | صحيفة إسرائيلية: “معاداة السامية” تتصدر الواجهة مع تعزيز الحماية بالقبة الحديدية

شارك

تستخدم إسرائيل مصطلح “قبة حديدية” بصورة مكررة للدفاع عن سياساتها، ولكنها في الوقت ذاته تلجأ إلى أدوات تفاعلية تتضمن اتهام من ينتقد سياساتها بمعاداة السامية. حين تواجه إشكاليات أو انتقادات موجهة إليها، تستعين إسرائيل بنظام رد تلقائي يعوض الحوار المفتوح، بحيث يركز على إظهار عداءٍ للسامية أو ربط الانتقادات بالمحرقة، بهدف التبرؤ من المساءلة الموضوعية والتقليل من أهمية النقاش المبرر حول سلوكها.

يقوم هذا النظام التفاعلي باستبدال النقاش الحقيقي حول السياسات بأحاديث مركزها اتهام أصحابها بمعاداة السامية، مما يعرقل إطلاق حوار موضوعي وشفاف. إذ يشعر المسؤولون والمتحدثون باسم إسرائيل بأن هذا الأسلوب يمنحهم الحرية في التراجع عن الاعتراف بالأخطاء، أو تعديل السياسات، أو تقديم الاعتذارات عند الحاجة، دون أن يُضغط عليهم في سياق نقاش جاد وسليم.

توظيف معاداة السامية والمحرقة لأغراض تبريرية

تستخدم إسرائيل، بجانب الخطاب الرسمي، الاستراتيجيتين التضليليتين المتكررتين، وهما توظيف اتهام معاداة السامية وربطها بالمحرقة، بهدف استخدامهما في تقديم مواقفها والتشويش على النقاش العام. لكن الإفراط في ذلك يؤدي إلى إضعاف قيمة هاتين المفهومين، ويجعلهما أداة ضعيفة تُستخدم للتهرب من المراجعة أو النقد، بدلًا من أن تكون أدوات لحماية حقوق الإنسان ووقف التحيز والتمييز ضد اليهود الحقيقيين.

وبمرور الوقت، يخلط الكثيرون بين معاداة السامية واتهام إسرائيل بعدم شرعيتها، مما يؤدي إلى تجاهل المعنى الحقيقي لمعاناة اليهود عبر التاريخ، والتي تعني التحيز ضدهم بسبب أصولهم الدينية والثقافية. إذ أن معاداة السامية الأصلية كانت تتجلى في التمييز والاضطهاد، وليس في الانتقادات القائمة على السياسات أو التصرفات الحكومية.

سياسات إسرائيل واستغلال مفهوم معاداة السامية

عندما تزعم إسرائيل أن كل انتقاد لسلوكها يحمل طابع معاداة السامية، فهي بذلك تعترف بأن أهدافها لم تتحقق كليا، وأن الدولة نفسها أصبحت رمزا للاتهام بدلًا من أن تكون رمزًا للدفاع عن حقوق اليهود. منذ أن نشأت، اعتبر مؤسسها هرتزل أن الحل الأمثل هو إقامة دولة خاصة لليهود، بعد أن أدرك أن التحيز ضدهم متواصل عبر التاريخ، وأن الحل الأمثل هو العيش ضمن وطن مستقل بعيدًا عن سلوك الشعوب الأخرى.

لكن، عندما ينظر العالم إلى إسرائيل باعتبارها مسؤولة بشكل مباشر عن سياساتها، تتغير المعادلة وتظهر اتهامات من نوع أن انتقاداتها تعتبر حملة موجهة ضدها شخصيًا، تتهمها بأنها تمتلك نوايا شريرة أو تمارس استغلالًا لأحداث معينة لمصالحها السياسية، وتلجأ إسرائيل أيضًا، وتحت ضغط الرأي العالمي، إلى نفي بعض اتهاماتها وحصرها في إطار “مظلوم” يتعرض للعدوان.

استخدام اتهام معاداة السامية كذريعة لردود الفعل

يعتمد المسؤولون الإسرائيليون، وعلى رأسهم بعض السياسيين، على تهمة معاداة السامية بشكل مفرط، إذ يرون في كل معارضة أو نقد ضد سياساتهم جريمة أو حملة تحريض ضد اليهود. غالبًا ما يتم توجيه اتهامات مفرطة، مثل إلغاء تأشيرة لشخص يُعتقد أنه ينشر رسائل كراهية، أو دعم اعتراف بدولة فلسطينية على أنه “مظاهرة معادية للسامية”.

وفي حالات أخرى، يواجه السياسيون أو الجماهير الإسرائيلية اتهامات من نوع معاداة السامية عند مواجهتهم لانتقادات خارجية، سواء في أوروبا أو غيرها، بهدف إسكات الأصوات المعارضة، أو استخدامها كدليل على سوء نية من يوجه الانتقاد، مع أن غالبية تلك الاتهامات لا تستند لحقائق، بل هي ستار لتبرير مواقف عنصرية أو استبدادية.

تصاعد وتيرة استخدام تهمة معاداة السامية في الأحداث الأخيرة

شهدت الأحداث الأخيرة، خاصةً خلال الصراعات والانتهاكات، تصعيدًا في استخدام مصطلح معاداة السامية. فمن إلغاء تأشيرة لعضو كنيست متطرف في أستراليا، إلى دعم الاعتراف بدولة فلسطينية، إلى استعانة إسرائيل بمصطلح معاداة السامية، بهدف تمييع موضوعات الانتقاد وإلصاقها بالعداء للسامية بشكل غير مبرر. وحتى في حالات رفع أعلام، أو شن حملات إعلامية، يُحمّل الانتقاد أحيانًا صفة معاداة السامية بشكل ينتهك المفهوم الحقيقي ويُستغل لصالح مواقف سياسية معينة.

حالات عن استخدام مبالغ فيه لاتهام معاداة السامية

كما أن بعض الأحداث التي تتعلق بالرياضة أو السياسات الخارجية تُشهر فيها اتهامات بصيغة مبالغ فيها، مثل رفع أعلام تحمل عبارات أو شعارات تعتبر إشارة إلى المحرقة، أو استخدام شعارات مناهضة أثناء المباريات، حيث يصورها الإسرائيليون على أنها مؤشر على تنامي معاداة السامية، رغم أن هذه الشعارات أحيانًا تكون مجرد اعتراضات على السياسات الحكومية، وليست تعبيرا عن كراهية حضارية.

نتنياهو والسياسة باستخدام اتهام معاداة السامية

يرى المراقبون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يعتمد بشكل كبير على اتهام معاداة السامية كوسيلة لفرض سيطرته على الرأي العام وإسكات معارضيه، خاصةً من يرى أنه يهاجم سياساته أو يثير قضايا قد تفضح عيوبه. كما أن الجمهور الإسرائيلي، عندما يواجه انتقادًا لسياساته أو أعماله، غالبًا ما يلجأ إلى تقييد النقاش من خلال تصنيفه كعداءٍ للسامية، وهو أسلوب يكرس تضخيم المفهوم ويقلل من جدواه كوسيلة لحماية الحقوق.

وفي المقابل، يعكّر سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين ومنطقة الصراع، الصورة في العالم، ويثير ردود فعل سلبية، حيث يربط كثيرون بين الانتقاد المشروعة لأداء الحكومة وسوء إدارة القضية الفلسطينية، وبين تشويه الصورة عبر استخدامها المفرط لمفهوم معاداة السامية، مما يؤدي إلى استقطاب وتحريف النقاشات، بدلًا من أن يسهم في حل الأزمات أو تحسين الظروف.

وفي النهاية، يظهر أن الاعتماد على المصطلح بشكل مفرط وتحويله إلى سلاح ديماجوجي، يضر بالمصالح الحقيقية، ويُثقل كاهل المجتمع الدولي بذرائع غير مبررة، تبتعد عن فهم المعاناة التاريخية الحقيقيّة، وتُستخدم لتبرير السياسات أو الهروب من النقد المنطقي.

مقالات ذات صلة