تصاعدت حدة النقاشات الإقليمية مع دخول المفاوضات بين سوريا وإسرائيل مرحلة جديدة، فيما تحاول الولايات المتحدة رسم ملامح ترتيبات أمنية في المنطقة. تأتي تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع حول المفاوضات مع إسرائيل قبل لقاءه المرتقب مع المبعوث الأميركي، توم براك، في دمشق، قبل توجه الأخير إلى بيروت حاملاً الرد الإسرائيلي على الموقف اللبناني من الورقة الأميركية. بحسب موقع “أكسيوس”، كان براك قد اجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في محاولة من إدارة ترامب لترتيب تفاهمات أمنية تشمل إسرائيل ولبنان وسوريا، قد تمهد لتطبيع العلاقات لاحقًا.
دمشق بين البحث عن الاستقرار وإرث الصراع
قال أستاذ العلاقات الدولية ياسر النجار إن سوريا تسعى حالياً لتحقيق الاستقرار بعد سنوات من الصراع، وأن الطريق طويل لعودة الوضع إلى ما كان عليه، لكن سوريا لا تسعى لمواجهة عسكرية. أوضح النجار أن الدبلوماسية السورية تبدي مرونة وتتفاعل بشكل إيجابي مع الدول العربية والإقليمية والمنظومة الدولية، بينما تنتهك إسرائيل حدود سوريا وتتنصل عن اتفاق فض الاشتباك عام 1974. ترى دمشق أن عودتها لذلك الاتفاق من شأنه أن يحقق استقرارًا ويجنب سوريا الحرب، خاصة وأن إسرائيل تسيطر على أعلى جبل الشيخ وتمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، مما يجعل تبريراتها الأمنية غير مقبولة.
انتقادات حادة للحكومة الإسرائيلية
انتقد النجار السياسات الإسرائيلية، معبرًا عن أن الولايات المتحدة تواجه حكومة يمينية متطرفة، وتجد نفسها أمام جرائم تنفذها الحكومة داخل إسرائيل من بينها عنف وتطرف، وتطالب محكمة العدل الدولية بمساءلة إسرائيل عن انتهاكاتها. رأى أن إسرائيل تحاول أن تظهر للعالم كحامية للأقليات، بينما تتصرف بشكل قمعي يعكس سياسات نظام بشار الأسد. أشار إلى أن الحكومة السورية الجديدة أرسلت إشارات إيجابية، عبر إبعاد محور إيران، وتخفيف نفوذ حزب الله، وإبعاد تجارة المخدرات، وهو ما يصب في مصلحة أمن إسرائيل، التي عليها أن تعترف بأن هذا التطور يصب في مصالحها الأمنية.
موقف دمشق والمواقف الإسرائيلية
شدد النجار على أن العودة إلى اتفاق 1974 مطلب عربي وإقليمي ودولي يهدف لتحقيق الاستقرار، وهو يعكس رغبة سوريا في استعادة الشرعية الدولية، في ظل أزمة داخلية وإسرائيل ترفض التنازلات. من جهة أخرى، ينظر أمير خنيفس، أستاذ العلاقات الدولية، إلى النظام في دمشق على أنه يسعى للحصول على تعاطف دولي ويستخدم خطابين، واحد للجمهور الغربي وآخر على الأرض، حيث لا تزال الانتهاكات مستمرة. أكد أن النظام لا يتغير وتظل مصالحه متطرفة، ولن تتنازل إسرائيل عن الجولان أو المنطقة منزوعة السلاح في الجنوب.
الشروط الإسرائيلية في التفاوض
حدد خنيفس أن إسرائيل تضع أربع شروط قبل أي تفاوض، أولها الحفاظ على السيادة على الجولان المحتل، وثانيها إبقاء جنوب سوريا منزوعة السلاح، وثالثها تأمين ممر آمن بين الجولان والسويداء، ورابعها إقامة منطقة آمنة تُدار بصورة غير مباشرة بواسطة إسرائيل. أشار إلى أن سقوط أي من هذه الشروط يرفع من مستوى الثقة بين الأقليات داخل سوريا، خاصة الدروز، الذين لا يثقون في النظام السوري، وأن المجتمع الدولي لا يثق أيضًا في نوايا دمشق.
الوساطة الأميركية والمخاطر المصاحبة
تسعى واشنطن لموازنة بين طرفين يبدون مواقف متناقضة، فدمشق تقدم نفسها كدولة تبحث عن استقرار وشرعية، بينما إسرائيل ترفض التنازل عن مكاسبها في الجولان، وسياساتها متشددة. تعتبر الولايات المتحدة أن نجاح الوساطة يمثل انجازًا دبلوماسيًا، لكنه محفوف بالمخاطر، خاصة مع مواقف صلبة من طرفي النزاع، إذ لا تزال الترتيبات الحالية محدودة، وتعكس حالة من التملص من السلام الشامل. يظل الهدف معلقًا على مدى قدرة واشنطن على إدارة التباينات وتحقيق تفاهمات جديدة، رغم أن المنطقة لا تزال تشهد تصعيدًا أمنيًا وسياسيًا معيقًا للتقدم نحو تفاهمات أعمق.
المشهد العام والآفاق المستقبلية
يبدو أن المناقشات الحالية تركز على تفاهمات أمنية محدودة، حيث تعرض دمشق العودة إلى اتفاق 1974 كمدخل لاستقرار مؤقت، وترفض إسرائيل التنازل عن خطوط حمر أساسية. على الرغم من محاولات واشنطن لإيجاد صيغة ثلاثية تشمل لبنان وسوريا وإسرائيل، تبقى الفجوة واسعة، وكل طرف متمسك بمواقفه. تتجه المنطقة نحو مواجهة بين رغبة سوريا في استعادة الشرعية واستقرار ما بعد الحرب، وإصرار إسرائيل على حماية مصالحها الاستراتيجية، ما يجعل المفاوضات الحالية اختبارًا لنوايا الأطراف، أكثر منها خطوات نحو سلام شامل ومستدام.







