يشهد أمن الغذاء في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديات كبيرة تهدد استقرارها الغذائي في العقود القادمة. يعيش أكثر من 500 مليون إنسان في مناطق تعاني من جفاف شديد وندرة المياه، مع تصاعد الطلب على الغذاء نتيجة النمو السكاني وتدهور الإنتاج الزراعي نتيجة التغيرات المناخية. تتداخل هذه الظروف، وتصبح قضية الحفاظ على الأمن الغذائي مسألة حياة أو موت، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر الذي يهدد المحاصيل والإنتاج المحلي.
تأثير التغير المناخي وندرة المياه على الأمن الغذائي
تؤكد المنظمات العالمية أن المنطقة العربية تعتمد بشكل كبير على استيراد أكثر من خمسين بالمئة من احتياجاتها الغذائية، خاصة من القمح والزيوت النباتية، مما يجعلها عرضة لارتفاع وتقلبات أسعار الطاقة والنقل، فضلاً عن الاضطرابات الجيوسياسية مثل الحرب الأوكرانية. وتواجه المنطقة تحديات هيكلية، حيث تقل الموارد المائية وتزداد الحاجة إلى الغذاء، الأمر الذي يتطلب إدارة فعالة للمياه وتطوير نظم الزراعة وتقنيات الري الحديثة. وتبذل مصر جهودًا في تنويع مصادر المياه عبر إنشاء محطات لتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف لاستخدامها في الزراعة، فيما يُعدّ ذلك خطوة استراتيجية لتخفيف الضغط على نهر النيل وتلبية الطلب المستقبلي.
تغيّر المناخ وتدهور الإنتاج الزراعي
يحذر خبراء المختصين من أن تغيّر المناخ يفاقم من مخاطر الأمن الغذائي في المنطقة، حيث يتزامن مع تدهور التربة وازدياد موجات الحرارة القاسية. وتوقعات الخبراء تشير إلى أن إنتاج بعض المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة والأرز قد يتراجع بنسبة تتراوح بين 20 و40 بالمئة بحلول عام 2050 إذا استمرت وتيرة الاحترار العالمي، وهذا يتطلب تبني زراعة ذكية مناخيًا تعتمد على تكنولوجيا الاستشعار واستخدام الطاقة الشمسية في الري، مع ضرورة تنويع الإنتاج الزراعي لمواجهة هذه التحديات.
الطابع الإقليمي للتحديات والفرص
يشير خبراء المناخ إلى أن تأثيرات التغيّر المناخي لا تقتصر على مصر، بل تمتد لتشمل دول المغرب العربي والجزيرة العربية، مع توقعات بموجات جفاف طويلة وفجوات مائية كبيرة تؤدي إلى تدمير البنية التحتية الزراعية أحيانًا بسبب الفيضانات المفاجئة. ومع اعتماد المنطقة على استيراد الحبوب والزيوت بكميات كبيرة، فإن الفجوة الغذائية ستتسع، إلا أن استثمار الدول في التكنولوجيا الزراعية والشراكات الإقليمية يمكن أن تساعد على تعويض هذا النقص. ومن المهم تعزيز التعاون بين الدول وتفعيل استراتيجيات الأمن الغذائي التي أطلقتها جامعة الدول العربية، مع ضرورة توفير تمويل وسياسات داعمة لمشاركة القطاع الخاص في تطوير سلاسل الإمداد والتكنولوجيا الزراعية.
الحلول والتدابير المستقبلية لمواجهة التحديات
تتطلب مواجهة أزمة الغذاء اعتماد حلول مبتكرة وذات فعالية عالية. من أبرزها التحول السريع إلى أنظمة الري الحديثة، مثل الري بالتنقيط والرش، التي تقلل من استهلاك المياه وتزيد من كفاءة استخدامها. كما يُعد استخدام التقنيات الزراعية الذكية، كاستخدام الذكاء الاصطناعي وأجهزة الاستشعار لمراقبة التربة والطقس، أمرًا ضروريًا لاتخاذ قرارات زراعية دقيقة تقلل من الخسائر وتزيد الإنتاجية. ويُعد دعم البذور المحسنة وراثيًا، والمقاومة للجفاف، جزءًا من الحلول الإستراتيجية لمواجهة ظروف التغير المناخي. ويختتم الخبراء بالقول إن التطوير الشامل للبنية التحتية للنقل والتخزين، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، يظل ضرورة للاستدامة الغذائية في المنطقة، مع تعزيز الاستثمار الزراعي الإقليمي وتفعيل الشراكات الدولية لمواجهة التحديات المستقبلية.







