يواجه القضاء اللبناني اختبارًا حاسمًا في التعامل مع زعيم سياسي بارز مثل الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، وسط تصاعد التوترات السياسية والأمنية في البلاد. فقد أدت تصريحات قاسم حول أن نزع سلاح الحزب قد يؤدي إلى حرب أهلية إلى ردود فعل واسعة من النواب والشخصيات السياسية الذين قرروا التوجه إلى القضاء لتقديم شكاوى جزائية ضده، معتبرين أن كلامه يشكل تهديدًا للسلام الأهلي والسلطة الدستورية.
الشكوى.. خطوة غير مسبوقة
تقدم نواب وشخصيات سياسية بشكوى قانونية أمام النيابة العامة التمييزية في بيروت ضد نعيم قاسم، وذلك للمرة الأولى من نوعها على مستوى البلاد. جاءت هذه الخطوة بسبب تصريحات الأخير التي ربط فيها موضوع نزع سلاح الحزب بتهديد الفتنة الداخلية، بحسب ما أوضح المحامي ورئيس حزب حركة التغيير، إيلي محفوظ، الذي أكد أن الشكوى سجلت رسميًا وهي في انتظار التحقيقات. قال محفوظ إن الشكوى قدمت ضد نعيم قاسم بعد أن كانت سابقًا موجهة ضد حسن نصر الله، موضحًا أن الهدف هو محاسبة أي شخص يخالف القانون، بغض النظر عن مكانته أو نفوذه السياسي.
رسالة إلى القضاء وسيادة الدولة
اعتبر محفوظ أن تقديم الشكوى يمثل رسالة واضحة إلى القضاء اللبناني وكل من يفكر في مخالفة قوانين العقوبات. أكد أن الدولة لا يمكن أن تدعي سيادتها إذا كان هناك مسلحون يتلقون أوامر وأموال من خارج البلاد ويمارسون نشاطات عسكرية داخل لبنان، بينما يكونون بمنأى عن المحاسبة القانونية. يرى محفوظ أن هذا الإجراء في ظل النفوذ العسكري والسياسي لحزب الله هو اختبار حقيقي لقدرة القضاء على معالجة شخصيات مسلحة وذات نفوذ سياسي كبير كالتي تتعامل كأي مواطن عادي.
الانقسام السياسي وواقع القوة في لبنان
لفت محفوظ إلى أن لبنان يعاني تاريخيًا من انقسامات عميقة، حيث كانت بعض الميليشيات، ومنها حزب الله، تؤثر على الاستحقاقات الرئاسية والحكومية. ذكر أن بعض الرؤساء والوزراء سابقًا عُينوا بفضل ميليشيا حزب الله، وأن هذه الكتلة المسلحة عطلت أكثر من حكومة وفرضت نفوذها على المشهد السياسي. من جهة أخرى، أكد أن الوضع الحالي مختلف، وأن الحزب يقف اليوم ضد مصالح اللبنانيين، وأن الشكوى تأتي لمنع تكرار سيناريو الحرب الأهلية الذي حذر منه قاسم من خلال تصريحاته الأخيرة.
السلاح.. بين الداخل والخارج
ناقش محفوظ أن سلاح حزب الله تحول إلى أداة قتل داخلي أكثر منه وسيلة دفاع عن لبنان، مؤكدًا أنه لم يساهم في حماية قيادات الحزب أو تعزيز استقرار الدولة، بل استُخدم لترسيخ مكاسب داخلية على حساب السيادة والقانون. أشار إلى أن الحزب، رغم مشاركته في مؤسسات الدولة الرسمية، يحافظ على نفوذ عسكري وسياسي غير مشروع؛ ومن هنا يصبح تحريك القضاء ضده مسألة ضرورية لإعادة التوازن بين مؤسسات الدولة والقوى المسلحة.
الإجراءات القانونية والتحديات
أكد محفوظ أن الخطوات القانونية ضد نعيم قاسم تمت بشكل دقيق، مع تقديم كافة المستندات والأوراق الرسمية إلى القضاء. قال إن كل محاولة من الحزب وتحديه للقانون ستواجه برد قانوني، وأن الهدف هو حماية البلاد من الصراعات المسلحة أو الحروب الأهلية، مع احترام حق الدولة في مساءلة من يخالف القانون. رغم ذلك، يواجه القضاء تحدي التوازن بين تطبيق القانون ووجود شخصيات في الحكومة من حزب الله التي تضعف قدرة القضاء على اتخاذ إجراءات حاسمة ضدهم، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن مدى استقلالية المؤسسات.
مواجهة السلطة وإعادة التوازن
طرح محفوظ تساؤلاً عن وجود وزراء من حزب الله في الحكومة، مشيرًا إلى أن مشاركة الحزب في السلطة تثير الحاجة إلى أن يُعامل وفق القانون، سواء كان ممثلاً داخل البرلمان أو الحكومة. وأكد أن استمرار النفوذ المسلح يعيق تطبيق العدالة، وأن هذا الوضع يتطلب خطوات جريئة لإعادة التوازن بين السلطة السياسية والعسكرية.
خطوة نحو فرض سيادة القانون
رغم التحديات، اعتبر محفوظ أن تقديم الشكوى يمثل خطوة مهمة نحو استعادة سيادة القانون على جميع المواطنين، بغض النظر عن مكانتهم السياسية أو العسكرية. أشار إلى أن إثبات إمكانية محاسبة زعيم ميليشيا مثل نعيم قاسم هو اختبار حقيقي لمصداقية الدولة اللبنانية، وأن هذه المبادرة رسالة عبرت عن رغبة في أن يكون القانون هو الحاكم، وأن الإفلات من العقاب قد ولى زمنه.
ما تقوم به النيابة العامة وشخصيات سياسية من رفع دعاوى ضد قادة الميليشيات، هو اختبار لقدرة المؤسسات اللبنانية على تنفيذ العدالة في مواجهة النفوذ العسكري والسياسي. بينما يراها البعض خطوة جريئة، يراها آخرون تحديًا كبيرًا أمام سلطة القضاء التي تحت ضغط النفوذ السياسي والعسكري، خاصة مع وجود وزراء ينتمون للحزب في الحكومة. تعتبر هذه الخطوة بمثابة رسالة واضحة بأنه لا أحد فوق القانون، وأن زمن الإفلات من المساءلة قد ولى، وأن القضاء يخطو خطوات نحو فرض القانون وسيادة الدولة، مهما كانت التحديات التي تواجهها.







