تصاعد التوتر بين إسرائيل والحوثيين بشكل لافت، بعد تنفيذ إسرائيل غارات جوية استهدفت مواقع في صنعاء زعمت تل أبيب أنها كانت تضم قيادات حوثية كبيرة. لم تتأكد حتى الآن صحة الأنباء عن مقتل أي من القيادات الحوثية، لكن العملية ترافقت مع خطاب تلفزيوني لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، مما عزز الرواية الإسرائيلية حول دقة الاستهداف ونجاح العملية.
نفت الجماعة الحوثية بشكل قاطع أن تكون القيادات المستهدفة قد سقطت، وأكدت أن الغارات استهدفت مدنيين، وأشارت إلى عزمها الاستمرار في هجماتها الصاروخية والطائرات المسيرة على إسرائيل، في محاولة لإظهار أن عملياتها لم تتوقف وأن المواجهة مستمرة بموازاة التصعيد العسكري.
مرحلة جديدة من المواجهة وتغيير استراتيجيات الاستهداف
تشير التطورات الأخيرة إلى دخول الطرفين في مرحلة جديدة، تركز على استهداف القيادات المباشرة للجماعة، بغية بناء بنك أهداف نوعي، بعيدًا عن استهداف البنى التحتية التقليدية التي كانت تعتمد عليها إسرائيل سابقًا.
تفاصيل الغارات وتحليل الخبراء
قال عبد الكريم الأنسي، الباحث السياسي، إن العملية الأخيرة تميزت باستخدام عدة صواريخ أطلقت بشكل متتالي على مناطق متعددة، مما يوحي بنية استهداف نوعي للقيادات، إلا أن غياب التوثيق الإعلامي عن عمليات إسرائيل يثير الشكوك حول صحة الادعاءات برصد استهداف قيادات عالية المستوى، خاصة أن الحوثيين يحرصون على سرية تحركات قياداتهم واتصالاتهم، وسياساتها الإعلامية غالباً ما تتضمن نشر إشاعات حول سقوط قيادات هامة عندما تكون على قيد الحياة.
أوضح الأنسي أن الحوثيين يعتمدون على استراتيجية استنزاف إسرائيل ماليًا وعسكريًا من خلال هجمات منتظمة بالصواريخ والطائرات المسيرة، وتحقيق نجاحات نوعية من خلال تطوير قدراتهم، خاصة الصاروخ الأخير الذي يحمل قنابل انشطارية، والذي يمثل تطورًا نوعيًا في قدرتهم العملياتية. أشار إلى أن الجماعة تستفيد من شبكة تسليح وتقنيات حديثة تصلها من إيران وروسيا وكوريا والصين والهند، لضبط مسارات الطيران، وإدارة الاتصالات، والتحكم في الطائرات المسيرة بكفاءة عالية.
نقطة تحول في استراتيجية إسرائيل
رأى الباحث الإسرائيلي شلومو غانور أن الغارات الأخيرة تمثل نقطة تحول في استراتيجية إسرائيل، إذ أنها بدأت تعتمد على استهداف القيادات السياسية والعسكرية للحوثيين بهدف بناء بنك أهداف نوعي، بعيدًا عن استهداف البنى التحتية، وأكد أن التوجيه بتنفيذ هذه العمليات جاء بعد اجتماع عاجل للحكومة الإسرائيلية. ذكر غانور أن العملية كانت بتوجيه مباشر من إيران، وتندرج ضمن استراتيجية تصعيد إقليمي، وأن إسرائيل لن تسمح بعودة سيناريوهات سابقة مثل أكتوبر، وتعمل الآن على مبدأ الردع الاستباقي.»
التحرك الإسرائيلي في عدة مسارات
يفترض أن إسرائيل تتحرك في ثلاثة مسارات رئيسية، حيث تمارس ضغطًا عسكريًا عبر الحصار الجوي والبحري للموانئ اليمنية، وتنفذ ضربات دقيقة لمواقع قيادات الحوثيين، كما تعمل على بناء بنك أهداف يتضمن قيادات الجماعة السياسية والعسكرية، بعيدًا عن استهداف المنشآت والبنى التحتية التقليدية، إضافة إلى جهود دبلوماسية مكثفة من خلال حشد الدعم الأمريكي لإعادة النظر في الهدنة، بهدف Tanقليل تهديد الحوثيين للملاحة الدولية وأمن المنطقة.
مستوى قدرات الحوثيين وتوقعاتهم المستقبلية
ذكر الأنسي أن الحوثيين يمتلكون شبكة واسعة من القيادات الشابة المدربة على التقنيات الحديثة، وهي قادرة على التعويض عن أي خسائر، خاصة مع الدعم الفني والعسكري الذي تتلقاه من إيران وروسيا وكوريا والصين والهند، ما يضمن استمرارية عملياتهم رغم استهداف بعض القيادات العليا. كما أن تدريبات عالية المستوى وأتمتها شبكات الاتصالات تسمح لهم بمواصلة الهجمات حتى إذا استُهدفت القيادات الكبرى.
هدف استراتيجي وراء استهداف القيادات
أكد الأنسي أن استهداف قيادات الجماعة لا يهدف فقط إلى تدميرها عمليًا، وإنما يهدف إلى إحداث تأثير نفسي واستراتيجي، حيث أن تكلفة اعتراض صاروخ قليل يبذل إسرائيل مبلغًا كبيرًا، وهو ما يراهن الحوثيون على استغلاله لتحقيق استنزاف مالي وتكتيكي لإسرائيل. عملياتهم الأخيرة تظهر تقدمًا في صناعة الصواريخ والمسيرات، واستخدام هويات وهمية وأماكن متنقلة لتعزيز الصعوبة على المراقبة والرد.
تحديات الدفاع الجوي وتطورات التصعيد الإيراني
لفت الأنسي إلى أن منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية أضعفت من قدراتها، لما ثبت أن صاروخًا واحدًا يمكن أن يكلف مئات الملايين من الدولارات، خاصة إذا فشلت في اعتراضه. العمليات المستقبلية ستنطلق من بنك أهداف يركز على القيادات بشكل خاص، مهددة بتغيير شكل المواجهة من العمليات التقليدية على المطارات أو المنشآت النفطية إلى استهداف مباشر للقيادات السياسية والعسكرية.
أما غانور، فذكر أن إطلاق الصاروخ الأخير جاء بتعليمات إيرانية مباشرة، ويعد تصعيدًا سياسيًا وعسكريًا يعكس تصعيدًا إقليميًا أوسع، إذ أن الاستهداف الممنهج للقيادات يعكس توجه إيران لتعزيز دورها في المنطقة، مع استمرار دعم الحوثيين. وأشار إلى أن إسرائيل تعتمد على استراتيجية الردع المسبق، حيث لا تتردد في استهداف أي جهة تهدد أمنها، من أجل تقليل قدرة الجماعة على الرد أو التصعيد العسكري.
تحليلات الخبراء
أكد الأنسي أن الهجمات الأخيرة تعكس مرحلة جديدة تعتمد على استهداف قيادات عالية المستوى، واستعمال قدرات تقنية متطورة، وأن الحوثيين يمتلكون قدرات شابة مدربة تدعم استمرار الهجمات رغم الخسائر. وأوضح غانور أن الغارات تمثل بداية تحول استراتيجي، إذ أن إسرائيل تتجه لبناء بنك أهداف نوعي، وتغيير نمط العمليات من استهداف المنشآت إلى استهداف القيادات، ويأتي ذلك في إطار ردع استباقي ضد أي تهديد محتمل من الجماعة.
وفي سياق متصل، اعتبر غانور أن الدعم الإقليمي والدولي للحوثيين، خاصة من إيران، يعقد المشهد، لكن إسرائيل تستخدم هذه المعطيات لبناء استراتيجية دقيقة لضرب القيادات والحد من قدرات الجماعة، متطلعة إلى استنزافها تدريجيًا ومنع تحول اليمن إلى منصة إيرانية متقدمة في المنطقة.
صنعاء في قلب المواجهة
تؤكد الغارات الأخيرة أن الصراع بين إسرائيل والحوثيين تجاوز مجرد تبادل الصواريخ والطائرات المسيرة، وتطور ليشمل محاولة استهداف القيادات العليا وبناء بنك أهداف نوعي، عبر عمليات معقدة تركز على جمع المعلومات الدقيقة وتنفيذ عمليات استباقية، معتمدة على دعم إقليمي مستمر، وتكلفة عالية من أجل تقويض قدرات الجماعة والمردود النفسي، في مواجهة طويلة قد تستمر دون حسم سريع.







