تتوضح صورة ضبابية لمسار الحرب في غزة حين تتقاطع تصريحات نتنياهو مع معطيات ميدانية وتسرّبات عسكرية، ما يوحي بأن أهداف الحرب وخياراتها تتلاعب بها الرسائل والواقع على الأرض.
نتنياهو ورسائل القوة
أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن الرئيس الأميركي ترامب أبلغه بضرورة الحسم العسكري وعدم الاكتفاء بصفقات جزئية، مع إسناد كامل المسؤولية إلى الجيش الإسرائيلي عن أي إخفاق في السيطرة على مدينة غزة.
تشير وثيقة داخلية للجيش إلى أن عملية مركبات جدعون فشلت، حيث جاء فيها أن الجيش ارتكب أخطاء جسيمة واستنزف القوات وخسر المصداقية الدولية.
كما أبرزت الوثيقة أن أسلوب القتال الإسرائيلي لم يتوافق مع عقيدة حماس القتالية المعتمدة على حرب العصابات والمرونة الميدانية.
وتكشف هذه المفارقة بين الخطاب الرسمي والوثائق المسربة فجوة ثقة بين القيادة السياسية والمؤسسة العسكرية، وتطرح أسئلة حول مدى واقعية الخطة للمراحل القادمة.
استراتيجية السيطرة على غزة
يشرح محرر الشؤون الفلسطينية تفسيره العملي لما يقصد نتنياهو عندما يقول توسيع العملية، فيوضح أن الهدف هو توسيع السيطرة شمال غزة وتحييد قيادات حماس بحسب التفسير الإسرائيلي.
ويظهر الواقع أن شمال غزة لم يُفَرَّغ من السكان بعد، وأن الحرب تدمر أحياء كاملة وتدفع المدنيين إلى النزوح، في سياق ما قد يعد تطبيقًا عمليًا لسياسة التهجير الطوعي.
أهداف إسرائيلية وتحليل
تشير الأهداف المعلنة إلى القضاء على حماس، وإعادة الرهائن، وإعادة تشكيل غزة بما يمنع تهديداً مستقبلياً، لكن المحلل أبو دقة يرى أن هذه الأهداف لم تتحقق حتى الآن وأن الاستراتيجية تقوم على فرضيات غير قابلة للتحقق.
يرى أبو دقة أن النتائج حتى اللحظة تبرز تدميراً واسعاً للبنى التحتية ونزوحاً جماعياً، وهو ما يضعف قدرة إسرائيل على إنهاء وجود حماس بالطرق المتوقعة ويعزز رؤية أن الحرب قد تغير مسارها إلى مسار إنساني واحتقاني في آن واحد.
موقف واشنطن
يتسم موقف الولايات المتحدة بالغموض: لا يمنح إسرائيل الضوء الأخضر للحسم ولا يضع خطوطاً حمراء، بل يعتمد سياسة النأي بالنفس مع شرط زمني حتى نهاية العام.
هذا الغموض يمنح نتنياهو هامشاً للمناورة السياسية، فبإمكانه تصوير الدعم الأميركي كنوع من التفويض غير المباشر، بينما تبقى العواقب الدولية للحرب قيد التقييم والضغط الدولي في تزايد.
الحسابات الداخلية والتأثير السياسي
توضح قراءة الوضع أن قاعدة مؤيدة لنتنياهو تظل تقف بجانب الحزب كالجماهير التي تشجع الفريق، لكنها أغلبيته تعاني وانعكست في الانتخابات المقبلة كمعركة وجودية له.
يخطط نتنياهو لإعادة تشكيل اليمين عبر أحزاب جديدة تندمج في حكومته بعد الانتخابات، ما يشرح جزءاً من رغبة الاستمرار في النهج العسكري لتثبيت موقعه السياسي رغم كلفة الحرب.
تصير الحرب، إذًا، شبكة رسائل سياسية وعسكرية ودبلوماسية: حرب معلنة على حماس لكنها أيضاً صراع على القوة داخل المؤسسة وخارجها، وتبقى آلام المدنيين الفلسطينيين في قلب الصورة وتزداد وما تزال نهايات الحرب غامضة.







