رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

عاجل | دمشق وقسد.. تقارب حذر يمهِّد لمرحلة جديدة في سوريا

شارك

إطار تقارب بين دمشق وقسد

بدأت دمشق وقوات سوريا الديمقراطية تقارباً غير مسبوق على صعيد سياسي وعسكري، يعكسه تبادل اجتماعات وتفاهمات ميدانية تهدف إلى حل الخلافات العالقة وتحقيق استقرار شامل في الأراضي السورية.

عُقد لقاء في الطبقة بين وفد من الحكومة وممثلين عن قسد لبحث التطورات في أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب، ووَجهِت قسد عقب الاجتماع رسالة تؤكد تسليم عدد من المعتقلين للحكومة وتؤكد أهمية استمرار الحوار لضمان وحدة الأراضي السورية واستقرارها.

وتواترت خطوات ميدانية قبل هذا اللقاء حين أعلنت قسد استعدادها للتعاون في ملفات حساسة، أبرزها تسليم إنتاج النفط من حقول دير الزور إلى الحكومة السورية بناءً على تفاهمات جرت خلال لقاءات بين رئيس البلاد وأحد قادة قسد في دمشق الأسبوع الماضي. وتشير التفاهمات إلى أن قسد ستحتفظ بنسبة من الإنتاج لتغطية احتياجات السوق المحلي، بينما تتولى الحكومة إدارة الحقول كجزء من خطة أوسع لإعادة دمج المناطق الشمالية الشرقية ضمن مؤسسات الدولة.

من النفط إلى الأمن.. بداية دمج تدريجي

تتحدث مصادر محلية عن أن عملية الدمج ستبدأ من دير الزور وتشمل في مرحلتها الأولى حقول النفط والمؤسسات المدنية ثم القوات العسكرية والأمنية، لتفتح مساراً أشمل يبتعد عن المحاصصة ويعتمد على بنية وطنية جامعة.

تُعد مسألة انضمام قسد إلى الجيش السوري من أبرز القضايا الحساسة، وتُعتبر اختباراً حقيقياً لإرادة الطرفين في بناء مؤسسات موحدة بعيدة عن الاصطفافات القومية أو الحزبية.

دمج أم انضمام؟ رؤية وتدرج في البناء

أكّد سيبان حمو، عضو القيادة العامة لقسد وعضو اللجنة العسكرية للتفاوض مع دمشق، استعداد قسد للانضمام إلى الجيش السوري بشرط أن يتم الدمج على أسس تحترم خصوصيتها وهويتها وتضمن حقوق جميع مكونات الشعب السوري بدون استثناء.

من جهة أخرى شدد وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على أن انضمام قوات قسد إلى الجيش الوطني يمثل المسار الصحيح لخدمة المصلحة الوطنية العليا، في مؤشر إلى دعم دمشق للمسار الدمجي لا المسار الموازي.

اعتبر الخبير السياسي عبد الجبار العكيدي أن هناك رغبة حقيقية داخل قسد، خصوصاً بين الوطنيين الأكراد، في تطبيق اتفاق 10 مارس وإنهاء الخلافات القائمة، مع أن تعيين سيبان حمو في اللجنة العسكرية مؤشر قوي على هذا التوجه. أشار إلى أن الحديث يجب أن يكون عن الدمج لا الانضمام، لأن الدمج يعني إعادة ترتيب الجيش لاستيعاب قسد، بينما الانضمام يوحي بكتلة تلتحق أخرى من دون تعديل هيكلي. ورأى أن الجيش الوطني الذي يُبنى يجب أن يكون وطنياً يشمل كل السوريين دون أن يتحول إلى تشكيلات طائفية أو عرقية.

خطوات عملية وتفاهمات ميدانية

أشار العكيدي إلى أن تطبيق الاتفاق بدأ فعلياً عبر معالجة الخلافات في حيي الأشرفية والشيخ مقصود بحلب، حيث جرت تجاوزات تمت معالجتها بالحوار. كما كشف عن لقاء جرى بين وفد حكومي برئاسة العقيد محمد عبد الغني وممثلين عن قسد في الطبقة، شهد إطلاق سراح عدد من المعتقلين الذين كان محتجزين في الرقة ودير حافر، وهو ما وُصف بأنه مؤشر إيجابي على تطور المباحثات ورغبة الطرفين في حل النزاعات بعيداً عن المواجهة المباشرة.

وصف العكيدي هذه الخطوات بأنها خطوات نحو حل وطني يضمن أن يبني السوريون دولتهم عبر الحوار والتفاهم، محذراً من محاولات المحاصصة أو التقسيم العرقي والطائفي التي لا تبني دولة حقيقية بل تعمّق الانقسام وتفقد الثقة.

بين الرغبة والواقع.. التحدي القادم

شدد العكيدي على أن دمج قسد يتطلب تنازلات متبادلة وآليات واضحة تضمن وحدة البلاد ضمن هيكل وطني متوازن. كما أشار إلى وجود تيارات كردية متشددة ضمن منظومة المجتمع الكردستاني لها نفوذ على بعض قيادات قسد، وهو ما قد يعوق بعض جوانب الاتفاق. بالمقابل يظهر انفتاح من القيادة السورية وقادة كردية وطنية مثل مظلوم عبدي وسيبان حمو على حوار شامل يهدف إلى طي صفحة الانقسام والابتعاد عن تدخلات خارجية تجر البلاد إلى مواجهات جديدة.

يؤكد العكيدي أن الدمج يجب أن يضم السوريين جميعاً في جيش واحد يعكس الهوية الوطنية الجامعة، وأن الدمج ليس مجرد ضم جغرافي أو كتلة عسكرية، بل إعادة بناء الجيش السوري ليكون قادراً على حماية كامل الأراضي السورية بروح وطنية جامعة.

ختام: اختبار النوايا انتهى؟

تبدو دمشق وقسد اليوم على أعتاب مرحلة جديدة من التفاهم، يختبر فيها كل طرف قدرته على التنازل والتكيّف مع شراكة وطنية تتجاوز الحسابات الضيقة. تبرز من خلال الاجتماعات الميدانية وتسليم المعتقلين والنفط وفتح القنوات السياسية إشارات إلى أن صفحة القطيعة قد تنطوي لصالح مسار الدمج من أجل الدولة. يبقى الطريق طويلاً، فالميدان وحده سيحسم إن كان هذا التقارب هدنة مؤقتة أم خطوة حقيقية لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة من الشراكة والوحدة الوطنية.

مقالات ذات صلة