تشهد الساحة الفنزويلية تصعيداً غير مسبوق بعد أن كشفت تقارير أميركية عن ضغوط أوساط نافذة داخل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تدعو إلى إسقاط النظام بالقوة.
تلك الأوساط توصف بأنها من صقور ترامب، وتدفع باتجاه عمل عسكري مباشر يطيح بما تُسميه واشنطن ديكتاتور المخدرات، وفي الوقت نفسه تشير تقارير إلى أن الإدارة الأميركية طورت خيارات عسكرية تشمل استهداف وحدات الحرس الفنزويلي وحقول النفط.
لكن رغم الحماسة المعلنة لدى المستشارين المقربين من ترامب، فإن الأخير يبدي تردداً حيال أي تدخل عسكري مباشر خشية التعرض لانتكاسة سياسية أو قانونية في حال فشل العملية.
هذا التباين في المواقف يعكس مجمل السياسة الأميركية تجاه كاراكاس، إذ تتراوح التصريحات بين التلويح بالقوة والحلول السريعة وبين الحديث عن نهاية قريبة لمادورو، وبين تصريحات حذرة تستبعد الحرب.
تصعيد أميركي وتوازنات القوى
وفي خضم هذا الجدل، جاءت تصريحات تولسي غابارد التي أقرت بأن مرحلة “تغيير الأنظمة” وبناء الدول انتهت في عهد ترامب، مشيرة إلى أن التدخلات العسكرية السابقة أفرزت أعداء أكثر من الحلفاء. غير أن هذا الاعتراف لا يلغي أن بعض دوائر صنع القرار ما زالت ترى في فنزويلا ساحة نفوذ حيوية، خاصة مع الوجود الروسي المتزايد في أميركا اللاتينية.
مادورو أعلن عن اعتماد “خطة دفاعية وانتقالية شاملة” تتيح الانتقال من الكفاح السلمي إلى الكفاح المسلح في حال تعرض بلاده لأي عدوان أميركي، وهو ما يعكس إدراكه جدية التهديدات ويرسم خياراً للدفاع يحول أي هجوم محتمل إلى حرب استنزاف إقليمية وربما يجر موسكو إلى دعم مباشر يحمي النظام من السقوط.
في المقابل، لم يتأخر رد الكرملين، فـقال نائب وزير الخارجية الروسي إن الحشد العسكري الأميركي في الكاريبي وشرق المحيط الهادئ غير مبرر وسيؤدي إلى تفاقم التوترات. كما كشف نائب روسي أن بلاده زودت كاراكاس بأنظمة دفاع جوي متطورة وألمح إلى إمكانية إرسال صواريخ إضافية، وهو ما يفتح الباب لمشهد يذكّر بأزمة الصواريخ الكوبية.
دور روسيا وإيران وتشابكات المصالح
ويلفت تحليل توم حرب إلى أن الولايات المتحدة ترى فنزويلا جزءاً من شبكة نفوذ تضم روسيا وإيران تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي الأميركي، وأن وجود إيران في المنطقة عبر جزيرة مارغاريتا يُستخدم كمنصة لتهريب ونشاطات لحزب الله في أميركا اللاتينية.
يُبرز حرب أيضاً أن الهواجس الأميركية حول النفط بعد أن أصبحت الولايات المتحدة من أكبر منتجي الطاقة تجعل الاعتماد على فنزويلا أقل، لكن انهيار صادرات كاراكاس يزيد من أعبائها الاقتصادية ويعزز فكرة أن أي تدخل قد يتطلب حلاً سياسياً مع موسكو عبر صفقات تشمل المصالح النفطية ونقل المسؤوليات في الغرب الأميركي.
يضيف أن صفقة شاملة بين واشنطن وموسكو قد تربط الملفين الأوكراني والفنزويلي لتجنب مواجهة مباشرة، وهو تصور يعكس محاولة للبيت الأبيض لتخفيف مخاطر المواجهة مع روسيا في الوقت نفسه الذي يضغط فيه على النظام الفنزويلي داخلياً.
أثر النزوح وتوقعات الحرب المحتملة
أما فكرة الصراع النووي في الكاريبي فقد أحيطت بتشبيهات بالصواريخ الكوبية؛ ويرى طرف من المحللين أن الولايات المتحدة لن تقبل وجود صواريخ روسية قريبة من سواحلها، وإن كان ترامب سيظل ميالاً إلى التفاوض لتجنب حرب مفتوحة رغم التهديدات الأمريكية المتبادلة.
استبعد خبراء عسكريون غزوًا برياً لفنزويلا، مؤكدين أن أي إعلان حرب يحتاج إلى موافقة الكونغرس، وهو أمر غير مرجح بسبب معارضة الرأي العام، بينما لا تزال هناك احتمالات لضربات عسكرية محدودة تستهدف مواقع إنتاج وتهريب المخدرات كإجراء أمني مشروع في نظر الولايات المتحدة.
تتجمع هذه الديناميات بين صقور واشنطن ومادورو وموسكو في الكاريبي، ففنزويلا ليست مجرد أزمة داخلية بل بؤرة اشتباك جيوسياسي يعيد إلى الذاكرة أجواء الحرب الباردة مع كلفة عالية على الجميع.







