رئيس التحرير: سراب حسان غانم
مدير التحرير: رماح اسماعيل

تحرير حلب.. بدايات مكاسب معركة ردع العدوان والحنكة السياسية في إدارة العمليات العسكرية

شارك

شهدت الساحة السورية واحدة من أكثر محطّاتها تحوّلاً مع تحرير مدينة حلب، الحدث الذي أعاد رسم خريطة الصراع وغيّر موازين القوى بشكل جذري، فقد شكّل هذا التحرير نقطة فاصلة في مسار الثورة السورية، ليس فقط من جانب الإنجاز العسكري الذي أطاح بخطط النظام البائد لاستعادة المدينة، بل أيضاً لِما رافقه من تطور ملحوظ في الخطاب السياسي للثوار الذين أخذوا على عاتقهم بناء تصور وطني جامع يلامس تطلّعات مختلف المكونات السورية.

ومع تحرير العاصمة الاقتصادية وتراجع نفوذ نظام الأسد المخلوع في الشمال، برزت أسئلة جوهرية حول مستقبل البلاد واتجاهات المرحلة التي أعقبت هذا التحوّل.

وفي الوقت الذي كانت فيه ميليشيات النظام وحلفاؤه يعيدون حساباتهم بعد خسارة المدينة، برز تطوّر جديد في أداء فصائل الثورة السورية؛ تمثّل في خطاب يحاول مواكبة حجم الحدث والانفتاح على الداخل والخارج بلغة مسؤولة ومتزنة.

وحملت رسائل القيادة العسكرية آنذاك تطمينات واسعة للمجتمع السوري وللدول الفاعلة، وأظهرت استعداداً لتأسيس مرحلة مختلفة تقوم على العدالة والكرامة وحماية النسيج المجتمعي.

وهكذا غدا تحرير حلب أكثر من معركة عسكرية، وأصبح نقطة انطلاق نحو رؤية سياسية جديدة، ومحوراً لجدل واسع حول شكل الدولة السورية القادمة وإمكانات الانتقال من ميادين القتال إلى مشروع وطني شامل.

تحييد الحلفاء

زار رئيس النظام المخلوع روسيا بعد انطلاق التحدة لمعركة ردع العدوان بأيام، طالباً تأمين وصول المساعدات الإيرانية عبر مطار حميميم، إلا أن هذا لم يحدث، وتبددت أحلامه وفشلت محاولاته اليائسة لإنقاذ نظامه.

في حين كان السيد الرئيس أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية حينها، يبحث مع الروس تحييد القوات الروسية عن المعركة في السادس من كانون الأول الماضي.

فشل النظام البائد في حشد الحلفاء لاستعادة حلب، التي سيطر عليها في العام 2016 بمساعدة روسية إيرانية، فيما كانت قوات إدارة العمليات العسكرية تعمل على تحرير المدن والبلدات السورية وتفعيل المرافق الخدمية الأساسية وتأمين المناطق المحررة.

خطاب سياسي متزن

حملت رسائل السيد الرئيس أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية في ذلك الحين، التي وجهها للشعب خلال المعركة تطوراً واضحاً في خطاباته السياسية بعد السيطرة على كامل إدلب وحلب والتوجّه نحو مركز مدينة حماة وسط سوريا.

شملت الرسائل تطميناً لجميع المكونات والطوائف والأقليات في حلب وبقية المدن، كما وجِّهت بيانات إلى دول وحكومات متعددة بلغات مختلفة، شملت الإنكليزية والروسية، وشددت على بناء سوريا جامعة لكل أبنائها، تقوم على الكرامة والعدالة وترفض أيَّ محاولات لتفتيت النسيج المجتمعي.

وأكدت الرسائل حماية المقدسات الدينية والأماكن العامة للحفاظ على حقوق المدنيين من جميع الطوائف والمكونات، إلى جانب تهدئة المخاوف العراقية وبناء قاعدة للتعاون الإقليمي لضمان استقرار المنطقة وتعزيز المصالح المشتركة.

وجهت رسائل إلى الأكراد تؤكد أنهم جزء أصيل من الهوية السورية والنسيج الوطني، ويتمتعون بحقوق متساوية مع كل مكونات الشعب السوري، وأخرى إلى أبناء الطائفة العلوية تؤكد أهمية مشاركتهم في بناء سوريا الموحدة التي تتسع للجميع دون تهديد للنسيج المجتمعي.

وعكست هذه الرسائل خطاباً سياسياً مدروساً يسعى إلى بناء هوية وطنية جامعة، وتوسيع قاعدة الدعم الشعبي للثورة بين المكونات السورية المختلفة، مع إظهار التزام أخلاقي وإنساني يعزز شرعية المعركة محلياً ودولياً.

حلب مفتاح النصر

قال السيد الشرع في الفعالية الجماهيرية “حلب مفتاح النصر” التي أقيمت على مدرج قلعة حلب في 27 أيار الماضي، تجسيداً لنجاح عملية ردع العدوان وانتصار الثورة السورية، وتكريماً للمقاتلين الأبطال الذين أسهموا في تحرير مدينة حلب في الأيام الأولى من المعركة.

وخلال معركة ردع العدوان وجه الرئيس الشرع رسالة مرئية أكد فيها للشعب السوري أن عدوهم هو النظام البائد، وقال: “سنحيا كراماً أعزاء، وسنضرب خير الشام بشر عدو لها، وسنبني عهداً حضارياً جديداً يليق بالشام وأهلها”.

شكّلت عملية تحرير مدينة حلب من قبل فصائل “ردع العدوان” مفصلاً واضحاً وحجر أساس في تحرير سوريا من النظام البائد وميليشياته، كما أنها نقطة فاصلة في عمر الثورة السورية، لما تشكّله المدينة من أهمية استراتيجية واقتصادية للنظام وحلفائه، ولا سيما حين استعان بالروس لاسترجاع أحيائها الشرقية من قبضة فصائل المعارضة أواخر عام 2016.

كان تحرير حلب بمثابة ضربة موجعة للنظام البائد، أفقدت توازنه العسكري والسياسي وخلطت أوراقه، بل ذهبت بكل أحلامه وتوقعاته، خاصة حين فقد أيَّ دعم روسي لاستعادتها، باعتبارها مركز ثقل الشمال السوري.

كما كانت أول مدينة تتحرر من قبضته خلال ساعات، ليفقد العاصمة الاقتصادية وأكبر المدن بعد العاصمة دمشق، وتصبح الفصائل المعارضة مسيطرة على كامل إدلب وحلب، وتبدأ بعدها بالتقدم نحو ريف حماة، تمهيداً لتطوير العمل العسكري وتحرير مناطق جديدة.

تطوير الخطاب السياسي للثورة

أكد المحلل السياسي والباحث في مركز جسور للدراسات وائل علوان أن “تطور الخطاب السياسي للثوار في تلك الفترة لم يكن بعد تحرير حلب، وإنما كان جزءاً من الإعداد للمعركة، وكان بخبرة تراكمية كبيرة اكتسبتها الفصائل الثائرة خلال سنوات من المواجهة والتجارب وصولاً إلى معركة ردع العدوان، التي أثبتت فيها الفصائل تطور أدائها وسلوكها وتخطيطها وتفكيرها وخطابها السياسي، ليكون على قدر المسؤولية”.

وأضاف علوان: “الخطاب السياسي كان مواكباً للمعركة منذ انطلاقتها الأولى، حيث فوجئ الجميع عند تحرير حلب بخطاب سياسي راقٍ ومدروس ومتزن”، مشيراً إلى أنه “كان جزءاً من السلوك السياسي الذي يحمل مسؤولية تحرير سوريا”.

وأشار علوان إلى أن “الثوار كانوا يعتقدون حينها أن تحرير حلب يعتبر تمهيداً لتحرير كامل سوريا”، لافتاً إلى أن “الخطاب بعد تحرير حلب كان على قدر المسؤولية، لأن الفصائل قادرة على أن تحل محل النظام البائد بعد إزالته عن صدور السوريين”.

وبيّن أنه “ليس فقط خطاباً سياسياً يرضي القوى الإقليمية والدولية، بل هو بالدرجة الأولى خطاب يرضي الشعب السوري والثوار أنفسهم، باعتباره يجسّد المبادئ التي خرجوا من أجلها ضد نظام القمع والاستبداد”.

وعكس المشهد في حلب تحولات عميقة في موازين القوى، وكان منطلقاً لفكرة إعادة بناء دولة وفق ضوابط سياسية تتماشى مع القانون الدولي ومعايير الأمم المتحدة.

وترك تحرير حلب الأثر الأكبر على النظام وحاضنته، إذ استخدم الأبواق الإعلامية الموالية له لترميم صورته المهزوزة أمام الشعب، خاصة في اليوم الأول للمعركة عندما سيطر الثوار على مواقع استراتيجية، في وقت لم يكن النظام يتوقع استهداف حلب.

نهاية أحلام الأسد باستعادة حلب

قالت إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع إن “حلم النظام البائد باستعادة حلب لم ينتهِ بمجرد سقوطها، ولم يكن سقوط حلب نقطة انهياره، بل قام بحشد قوة عسكرية ضخمة جداً في منطقة أثريا بقيادة المجرم سهيل الحسن، من أجل مهاجمة مدينة حلب واستعادة السيطرة عليها”.

وأضافت الإدارة: “سرعة العمليات العسكرية في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، ووصول مقاتلي إدارة العمليات العسكرية إلى تخوم مدينة حماة، دفعت النظام البائد لسحب الحشد من أثريا للدفاع عن مدينة حماة، وحينها فقط انتهت أحلامه بالعودة إلى مدينة حلب”.

وأوضحت الإدارة المخاطر المتوقعة والخطوات الثورية للقادة والثوار في تلك الفترة الحرجة من عمر سوريا والثورة، بأن “من الطبيعي أن يسبق مثل هذا العمل العسكري الكثير من الحسابات بخصوص المآلات المترتبة عليه، سواء كانت إيجابية أم سلبية”.

وترتّب على السيناريوهات المفترضة العديد من الخطوات والإجراءات التي رسمتها إدارة العمليات العسكرية، ابتداءً من وضع خطة التحرير وطرق إدارة المناطق المحررة حديثاً مدينة حلب والقرى والمناطق التي سيتم تحريرها تباعاً.

وواصلت إدارة العمليات العسكرية معركتها الأكبر في تاريخ سوريا “ردع العدوان”، التي انتهت بتحرير دمشق من عصابة حكمتها بالنار والحديد طيلة 44 عاماً، وأدخلت سوريا في مرحلة جديدة من البناء والتطوير وأخرجتها من عزلة دولية أطبقت عليها بفعل ممارسات النظام البائد.

مقالات ذات صلة