فتح قرار شرطة لندن باب نقاش واسع حول الماسونية وأثرها داخل المجتمع والدولة.
ما هي الماسونية؟
تقدّم الماسونية نفسها كمنظمة أخوية ذات جذور قديمة، تعود إلى بريطانيا في أواخر القرن السابع عشر وبدايات الثامن عشر، حين تحولت نقابات البنّائين التقليدية إلى جمعيات فكرية وأخلاقية.
تؤكد الماسونية أنها منظمة غير سياسية وغير دينية، وتقوم على قيم الأخوة والإحسان والاستقامة، وتفرض الإيمان بوجود قوة عليا دون تحديد ديانة بعينها.
تُعقد اجتماعاتها في محافل محلية، وتدار بنظام هرمي واضح، وتُفسَّر طقوسها ورموزها تقليديّاً كأدوات تعليم أخلاقي، بينما يراها الخارج مصدر غموض وريبة.
الحجم والانتشار والتأثير
يُقدَّر عدد أعضائها بملايين على مستوى العالم، ويضم المحفل الأكبر في إنجلترا نحو 200 ألف عضو، ما يجعلها من أكبر التنظيمات الأخوية في أوروبا.
تاريخياً ضمّت الماسونية في صفوفها سياسيين وقضاة وضباطاً وأكاديميين، وهو ما غذّى الاعتقاد بوجود تأثير غير معلن داخل مؤسسات الدولة.
تنفي المنظمة باستمرار أي دور سياسي منظم، وتؤكد أن أعضائها ينتمون إلى توجهات مختلفة، وأن المحافل تُمنع رسمياً من مناقشة السياسة أو الدين، لكنها تقر بأن الروابط الأخوية بين الأعضاء تشكل جزءاً من هويتها وتثير مخاوف حول تضارب الولاءات عند وجود موظف عام أو ضابط شرطة أو قاضٍ بين أعضائها.
كيف تعمل الماسونية وما أهدافها المعلنة
يعمل التنظيم عبر محافل محلية تستقل نسبياً لكنها تخضع في النهاية لإشراف المحفل الأكبر.
يُفتح باب الانضمام عبر تزكية اثنين من الأعضاء القائمين، ثم المرور بمراحل رمزية تُسمّى درجات، وتتم خلالها طقوس ودروس أخلاقية.
تتركز الأهداف المعلنة على تحسين الفرد ليكون مواطناً أفضل، ودعم الأعمال الخيرية، وتُشير تقارير رسمية إلى أن الماسونية من أكبر الجهات الخيرية غير الحكومية في المملكة المتحدة من حيث حجم التبرعات السنوية، وهو خطاب أخلاقي وخدمي تدافع به عن نفسها كجمعية مدنية مشروعة وليست تنظيماً سرياً سياسياً أو استخباراتياً.
من معها ومن ضدها ولماذا يستمر الجدل؟
يرى المدافعون عن الماسونية أن الهجوم عليها كثيراً ما يقوم على صور نمطية ونظريات مؤامرة قديمة، وأن غياب أدلة قضائية تثبت تورطها كمنظمة فساد يجعل الشبهة غير كافية لشيطنتها.
في المقابل يرى منتقدوها، ومنهم صحفيون وناشطون في الشفافية، أن المشكلة ليست وجود مؤامرة منظمة بل طبيعة التنظيم نفسه، فوجود شبكة أخوية مغلقة داخل مؤسسات الدولة، خصوصاً أجهزة إنفاذ القانون، يمثل خطراً لأنه يقوّض مبدأ العدالة أمام القانون ويخلق شعوراً بأن بعض الأعضاء محتمون بعلاقات غير مرئية.
هذا الانقسام ظهر واضحة في تقارير رسمية مثل تقرير مورغان الذي لم يتهم الماسونية مباشرة، لكنه أكد أن وجودها داخل جهاز الشرطة كان كافياً لتقويض الثقة العامة.
لماذا تعود الماسونية إلى الواجهة الآن؟
لا يعتبر قرار الشرطة الماسونية عقيدة أو جمعية أهلية، بل يعاملها كارتباط قابل للتأثير يجب الإفصاح عنه.
إدراجها بالاسم يطرح سؤالاً حول التوازن بين حرية الانتماء ومتطلبات الشفافية في المؤسسات العامة، ويفتح نقاشاً حول الحدود التي يمكن أن تفرضها الدولة على موظفيها.
تدور المعركة القضائية الدائرة اليوم حول الحقوق الفردية وحقوق الدولة في طلب إفصاح عن الانتماء، وما إذا كان الإلزام سيشمل منظمات ونوادٍ وشبكات أخرى مستقبلاً، وإذ أُلغِي الإلزام فسيُنظر إليه كانتصار للخصوصية على حساب الانطباع العام.
بين تاريخ طويل من الغموض وخطاب خيري وتوجسات لم تُحسم، تظل الماسونية في قلب نقاشٍ بريطاني حساس.
قضية شرطة لندن ليست مجرد صراع قانوني، بل مرآة لصراع أقوى بين الثقة والريبة، بين ما هو مشروع قانوناً وما هو مقبول سياسياً.
وفي بلد يُعنى بقضايا مثل مورغان، يبدو أن السؤال ليس هل الماسونية مذنبة، بل هل تستطيع الدولة تجاهل أثرها الرمزي على الثقة العامة.







