يُعد التهرب الضريبي أحد أبرز الملفات التي تخسر بسببها الخزينة سنوياً مئات ملايين الدنانير، وطوال عقدين من الزمن لم تتوقف الاتهامات الشعبية للحكومات المتعاقبة بالتقصير في تحصيل الضرائب من كبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى، في حين أنها لا تتهاون مع الشريحة العظمى من أصحاب الدخل المحدود.
وانسجاماً مع المطالب الشعبية تعمل الحكومة الحالية برئاسة د. عمر الرزاز والتي جاءت على إثر احتجاجات تطالب بتحسين الوضع المعيشي، على تحقيق هذه المطالب قدر الإمكان، حيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية جولات تفتيش ورقابة طالت عدداً كبيراً من الشركات العاملة في مجالات مختلفة.
والكثير من المواطنين ينظرون إلى هذه الإجراءات بعين الريبة وعدم الثقة والبعض يصفها بتصفية حسابات بين الحكومة وجهات رفضت تقديم ما عليها خلال أزمة كورونا، وهذا الأمر قد يفسر عدم التعاطي الشعبي مع الإجراءات الحكومية بالتأييد، فالمعركة ليست معركتهم.
ورغم أن هذه النظرة المتشائمة والأصوات المشككة، لا زالت الحكومة تحافظ على ما تصفه بمصارحة الرأي العام بإجراءاتها في استعادة الضرائب المستحقة على مجموعة من الشركات، وفي محاولة لتضييق الفجوة بين المواطن والحكومة خرج وزير المالية محمد العسعس ليعلن أن الحكومة استعادت في النصف الأول من العام الحالي 371 مليون دينار.
ولا يبدو أن الإجراءات الحكومية الحالية تتخذ بُعداً انتقامياً، فقد أكد العسعس على أن الحكومة فتحت باب التسويات مع الجميع، وفي هذا رسالة واضحة إلى أن الهدف ليس معاقبة أحد ولكن استرداد حق مالي للدولة.
ويمكن القول إن الصمت الشعبي وعدم التعاطي مع مساعي الحكومة في مكافحة التهرب الضريبي، ناجم عن وعود حكومات سابقة لم يتم تنفيذ منها إلا الشيء القليل، كما أن تزاوج المال والسلطة دفع إلى توصيف جهود الحكومة الحالية بأنها تصفية حسابات.
كما أن القوانين والتشريعات الناظمة لعملية تحصيل الضرائب أظهرت قصوراً واضحاً في تعطيل تنفيذ القرارات، وهو أمر لمسته الحكومة وبدأت تعمل على ترميمه، فقد أقرت في فترة سابقة إعطاء استقلالية أكبر لهيئة مكافحة الفساد، كما أن مدير دائرة ضريبة الدخل والمبيعات حسام أبو علي وفي مؤتمر مشترك مع وزير المالية قال إن الدائرة تسعى إلى رفع كفاءة التدقيق الضريبي.
وبالرغم من كل التصريحات الصادرة عن الحكومة، لا زال المواطن ينظر من بعيد، فبين الرغبة في جدية الإصلاح واسترداد أموال الدولة، هناك تخوف من أن الحملة تقوم على إبعاد لاعبين انتهى دورهم وإدخال لاعبين آخرين.