يستعد التونسيون لاستقبال رئيس الوزراء العاشر في جمهوريتهم الثانية، متوسط أعمار حكومات ما بعد الثورة في تونس، لا يزيد عن المتوسط التاريخي لأعمار الحكومات الأردنية خلال المئوية الأولى من عمر الدولة، تونس تزاحم الأردن على صدارة قائمة الدول الأكثر تبديلاً لحكوماتها ورؤساء وزرائها.
وهناك أسباب داخلية وأخرى خارجية، تضافرت مجتمعة لتشكيل حالة عدم الاستقرار وإطالة أمدها، تعود في مجملها إلى الفسيفساء الحزبية التي يتوزع عليها التونسيون (أكثر من 200 حزب سياسي)، وعدم كفاية سنوات الانتقال العشرة لانتقال تونس من سيولة التعددية الحزبية المنفلتة إلى مأسسة النظام الحزبي القار.
وإن صحّت الاتهامات لحركة النهضة، أو لأجنحة منها بالمسؤولية عن اغتيال النائب محمد البراهمي والقائد اليساري شكري بلعيد، فمعنى ذلك، أن ثمة فريقاً استئصالياً في النهضة، أشد خطورة من الجماعات الإقصائية والاستئصالية العلمانية، التي تبدي شوقاً وحنيناً لعودة النظام القديم ودولته العميقة معنى ذلك، وأن اعتدال النهضة وحداثتها أخفقتا في منع مفاعيل نظرية التمكين والجهاز السري، وتقديم الجماعة على الدولة، والأمة الإسلامية على الأولويات الوطنية للبلاد والعباد.
ولكن فهم الأزمة في تونس، لا يكتمل بمعزل عن رؤية الصورة الأكبر لصراع المحاور الإقليمية المتناحرة في الإقليم، فليست النهضة وحدها من يتشجع بنجاحات محور إقليمي بعينه، ويتلقى العون المالي والمعنوي والإعلامي من أركانه هناك قوى وأحزاب، محسوبة على التيار المدني العلماني، تتغذى عبر حبال سُريّة من محور إقليمي آخر، وتستند إلى شبكات دعم مالي ومعنوي وإعلامي توفره دول ذاك المحور كذلك.
ومعركة الرئيس قيس سعيد، لاستنقاذ الدولة، وإبعادها عن حروب المحاور، وتدوير الزوايا الحادة في خطابات وممارسات قوى محلية أقصوى متنازعة، لا تبدو معركة سهلة على الإطلاق، سيما في مناخات الاستقطاب الإقليمي لقد لوّح بإجراءات ضد النهضة كما فهم وانتقد تعطيل البرلمان من قبل جماعة الدستوري الحر ضرب هنا وضرب هناك، ولهذا تلقى الضربات من مختلف الجهات، وآخرها التيار الإخواني العربي، الذي بات مقتنعاً على ما يبدو، بأن رهانه على ابتلاع الرئيس المنتخب أو الاستظلال بظلّه، لم يكن رهاناً في محله.