رصد تقرير حديث صادر عن “المجلس الأطلسي”، مركز تفكير أمريكي، جهود المملكة المغربية في تمكين دول الساحل من الولوج إلى المنفذ الأطلسي من خلال المبادرة الأخيرة التي أطلقها العاهل المغربي، مسجلا أن جهود الرباط في هذا الصدد لتعزيز التعاون مع دول المنطقة مستوحاة أساسا من ديباجة الدستور المغربي لسنة 2011.
في هذا الصدد، أشار المصدر ذاته إلى تنصيص الوثيقة الدستورية على التزام المملكة أولا بدعم الاتحاد المغاربي باعتباره خيارا استراتيجيا، وتعميق الروابط مع العالم العربي الإسلامي، وتكثيف التعاون مع الدول الأوروبية، إضافة إلى تعزيز التعاون الإفريقي، إذ تؤكد على التزام المملكة بـ”تقوية علاقات التعاون والتضامن مع الشعوب والبلدان الإفريقية، ولا سيما مع بلدان الساحل وجنوب الصحراء”، وهي جملة اعتبرها التقرير مساعدة في تفسير مبادرة المغرب الأخيرة، مشيرا أيضا إلى خطاب الملك الذي وصف فيه بلدان الساحل بـ”الدول الشقيقة”.
وذكر مركز التفكير الأمريكي ذاته أن المبادرة الأطلسية لقيت استحسانا من قبل دول الساحل؛ ذلك أنها تطرح مجموعة من البدائل التنموية لهذه الدول، فعلى سبيل المثال “اعتمدت النيجر باعتبارها واحدة من أفقر البلدان في العالم، على المساعدات في ميزانيتها السنوية، قبل أن يتم تخفيض هذه المساعدات بنسبة 40 في المائة سنة 2023، بسبب حجبها من طرف المانحين”، لافتا أيضا إلى ارتفاع معدلات سوء التغذية في هذا البلد في أعقاب الانقلاب ومنع شحنات برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من الوصول إلى النيجر بسبب إغلاق الحدود.
وبحسب الوثيقة ذاتها، فإن نجاح هذه المبادرة يتوقف على مجموعة من العوامل، منها أنها تتطلب تمويلا وإطارا تنظيميا قويا وجهودا حثيثة لمواجهة التحديات المحدقة بالمنطقة على غرار القرصنة، إضافة إلى التنسيق مع الجهات الفاعلة في مجال الإدارة البحرية، مبرزا أن “النشاط الاقتصادي الذي ستنشئه هذه المبادرة يمكن أن تكون له فوائد للحكومات، وكذلك الشعوب، في بلدان الساحل الخاضعة للعقوبات، غير أن تركيزها يجب أن ينصب على مساعدة الناس الذين يعانون منذ عقود من الزمن”.
وشدد التقرير على أن المبادرة المغربية تؤكد الأهمية التي حظي بها الوصول إلى المنافذ الأطلسية منذ قرون، مستحضرا في هذا الصدد توجيه كل من الحاج عمر تال (مؤسس إمبراطورية توكولور) وساموري توري (زعيم إمبراطورية واسولو)، اللذين كانا يحكمان مناطق غير ساحلية في غرب القارة الإفريقية في القرن التاسع عشر، قواتهما إلى المحيط الأطلسي قبل أن تكبح القوات الفرنسية المتمركزة في المنطقة حينها هذه التحركات.
ولفت مركز التفكير الأمريكي إلى وجود أكثر من مائة دولة على حدود المحيط الأطلسي، بما يشمل القوة الرائدة في العالم، أي الولايات المتحدة الأمريكية ومجموعة من القوى الدولية الأخرى على غرار بريطانيا وفرنسا وقوى إقليمية أخرى، مشددا على أن “المحيط الأطلسي يمثل نعمة بالنسبة للدول التي لديها الوسائل اللازمة لتحقيق الاستفادة الكاملة من سواحلها، مثل المغرب والسنغال”، خاصة وأن الدول الإفريقية الساحلية الثلاث والعشرين تأوي قوة ديمغرافية تقدر بـ46 في المائة من مجموع سكان القارة و55 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي، إضافة إلى احتوائها على كميات هامة من الموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط.
وبين “المجلس الأطلسي” أن المطلوب لضمان نجاح المبادرة الأطلسية هو “تحديد الأولويات المشتركة بين الدول المشاركة في هذه المبادرة وأيضاً شركائها من أجل التركيز على القضايا الأكثر إلحاحاً، مع ضمان تكامل المشاريع الجاري تنفيذها، مثل مشروع خط أنابيب الغاز بين نيجيريا والمغرب، إذ من شأن ذلك أن يضمن نهجا أكثر شمولا للمبادرة المغربية، التي تركز على البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والبحرية”، مع العمل على إشراك الاتحاد الإفريقي وأصحاب المصلحة الآخرين، على غرار المنظمة البحرية لغرب ووسط أفريقيا، وجمعيات إدارة الموانئ الأفريقية، في هذه المبادرة.
وخلص التقرير إلى أهمية الوصول إلى التمويل عبر الانفتاح على الشركاء الدوليين مثل القطاع الخاص والمؤسسات التنموية والمالية، مع العمل على تمويل لدعم الاقتصاد الأزرق وتحديث البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والموانئ، مشددا على أن المعاناة التي تكبدها المدنيون في منطقة الساحل من جراء آثار الحرب المستمرة ضد الجماعات الجهادية والإخفاقات الأمنية للعديد من التدخلات العسكرية المحلية والأجنبية، تجعل من هذا المقترح المغربي يُقدم منظوراً أكثر إشراقاً يحتاجه هؤلاء الناس بشدة.